بقلم: ليلى جاسم
تطرح الانتخابات في المغرب اليوم، كما في كل محطة سياسية مهمة، سؤال الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة: هل ستتمكن بلادنا من تجاوز إرث الفساد الانتخابي نحو ممارسة ديمقراطية حقيقية؟
لقد شكّل الفساد الانتخابي لعقود واحدة من أبرز التحديات التي عرقلت تطور المشهد السياسي. شهادات عديدة وتقارير رسمية وغير رسمية، فضلاً عن ملفات عرضت على القضاء، تؤكد أن عمليات شراء الأصوات والتأثير غير المشروع على إرادة الناخبين كانت حاضرة في مراحل حاسمة، خصوصًا عند تشكيل المجالس الجماعية والجهوية. ظواهر مثل “تهريب الناخبين” بين المدن للضغط على نتائج الانتخابات، أو استغلال المال والنفوذ خلال الحملات الانتخابية، أساءت لصورة العمل السياسي وأضعفت ثقة المواطن في مؤسساته المنتخبة.
الحملات الانتخابية، التي يفترض أن تكون منابر لتقديم البرامج والمشاريع، غالبًا ما تحولت إلى صراع محموم للهيمنة على الأصوات بوسائل غير أخلاقية. هذا الواقع أفرز إحباطًا شعبيًا كبيرًا، حيث لم تعد الشعارات الانتخابية سوى حبر على ورق، والمشاريع المعلنة دعاية ظرفية لا تجد طريقها إلى التنفيذ، وهو ما يمثل شكلًا من أشكال الفساد الانتخابي غير المباشر.
اليوم، يحدو المواطنين أمل كبير بأن تكون الانتخابات المقبلة نقطة تحوّل في مسار ممارسة الحياة السياسية بالمغرب. المطلوب هو نزاهة وشفافية حقيقية، تفتح المجال أمام كفاءات مؤهلة علميًا وأخلاقيًا، قادرة على التجاوب مع انتظارات المواطنين، وتقديم حلول عملية بدل الوعود الفارغة.
الدولة المغربية، من جانبها، قطعت خطوات مهمة لتعزيز النزاهة والشفافية، سواء عبر تحديث الإطار القانوني للعملية الانتخابية، أو من خلال إشراك هيئات المراقبة الوطنية والدولية، وتعزيز آليات المراقبة القضائية. إلا أن هذه الجهود، مهما كانت هامة، ستظل ناقصة إذا لم تترافق مع إرادة سياسية صادقة من الأحزاب والمرشحين أنفسهم لإخراج الحياة الانتخابية من دائرة الفوضى وإعادة الاعتبار لقيمة الصوت المواطن.
استعادة ثقة المواطن في مؤسساته المنتخبة هي رأس مال الديمقراطية. الانتخابات النزيهة تولّد نخبًا قادرة على خدمة المواطن، وتعمل بروح المسؤولية بدل البحث عن النفوذ أو المكاسب الشخصية. ومن هنا، تصبح المشاركة في الانتخابات فعلًا وطنيًا مسؤولًا، لا مجرد واجب شكلي.
يبقى السؤال الأكبر: هل ستشهد الانتخابات المقبلة في المغرب أجواء نزيهة وشفافة؟
الإجابة على هذا السؤال ليست مسألة تقنية أو قانونية فحسب، بل هي رهان وطني على الثقة بين المواطن والدولة، وتشكل حجر الأساس لبناء مغرب ديمقراطي حديث، يليق بتاريخه وطموحات شعبه.
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.
تعليقات
0