بقلم: يوسف الوراق
يمثل صمود شعب غزة في وجه العدوان والحصار المستمرين ملحمة تاريخية من الإرادة والتحدي، وتجسيدًا حيًا لتمسك شعب بأرضه وحقوقه، رغم حجم التضحيات الجسيمة. إن هذا الصمود ليس مجرد ثبات في الميدان، بل هو صمود إنساني في وجه ظروف كارثية، وصمود سياسي يجبر الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
الصمود كفعل وجودي
تحت وابل القصف والدمار، ومع شح الغذاء والماء والدواء، أظهر أهالي قطاع غزة قدرة مذهلة على التكيف والتشبث بالحياة. الأطفال والنساء والشيوخ، كل منهم سجل بطولته الخاصة في مواجهة يومية مع الخطر والموت. هذا الصمود الأسطوري لم يكن مجرد رد فعل، بل هو إيمان عميق بعدالة القضية وحتمية البقاء على الأرض، وهو ما شكل حائط صد معنويًا بوجه محاولات التهجير والإخضاع.
في ظل الدمار الممنهج للبنى التحتية والمرافق الحيوية، تحول كل منزل متبقٍ، وكل خيمة، وكل مستشفى يقاوم، إلى رمز للتحدي. لقد أثبت الشعب الفلسطيني في غزة أن الإرادة أقوى من الآلة الحربية، وأن الوعي بحقوقهم الوطنية لا يمكن أن يُقصف أو يُهدم.
تأثير الصمود على مسار المفاوضات
إن ثبات الشعب والمقاومة في غزة كان له تأثير حاسم على مسار المفاوضات الهادفة إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. فبقدر ما كان الصمود قويًا على الأرض، أصبحت شروط المقاومة أكثر صلابة على طاولة المفاوضات.
لقد أرغمت هذه التضحيات والمواقف العظيمة الأطراف الإقليمية والدولية على تكثيف جهود الوساطة، خاصة من دول مثل قطر ومصر، للبحث عن مخرج للأزمة. المفاوضات التي دارت كانت ترتكز بشكل أساسي على:
وقف شامل لإطلاق النار: كشرط أساسي لإنهاء العدوان.
انسحاب قوات الاحتلال من القطاع.
تبادل الأسرى والمحتجزين: في صفقة تهدف إلى إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين مقابل المحتجزين.
إدخال المساعدات بشكل كافٍ ومستدام وعملية إعمار شاملة.
إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، حتى وإن كان على مراحل، يعتبر ثمرة مباشرة لهذا الصمود والتضحيات. إنه يمثل اعترافًا ضمنيًا بأن الأهداف العسكرية التي سعت إليها القوة المعتدية لم تتحقق بشكل كامل، وأن مفتاح الحل لا يزال في يد من صمدوا وواجهوا على الأرض.
ما بعد الاتفاق: العهد مستمر
بعد إعلان التوصل إلى اتفاق، يظل صمود غزة هو الأساس الذي سيبنى عليه المستقبل. فالاتفاق هو خطوة نحو تخفيف المعاناة، لكنه ليس نهاية المطاف. التحديات القادمة لا تقل أهمية، وتتركز في:
ضمان الالتزام الكامل ببنود الاتفاق وعدم السماح بأي مماطلة أو تنصل.
رفع الحصار الظالم بشكل كامل.
البدء الفوري بعملية إعادة الإعمار لتعويض ما دمره العدوان.
تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية كضمانة لاستدامة أي مكسب سياسي.
في الختام، يثبت صمود شعب غزة أن التضحيات العظيمة لا تذهب هباءً. فكل نقطة دم، وكل بيت دُمر، وكل يوم قُضي تحت القصف، تحول إلى ورقة ضغط على طاولة المفاوضات، وإلى وقود لإرادة لا تلين. لقد كان الصمود هو الطريق إلى وقف إطلاق النار، وسيظل هو الطريق نحو الحرية والاستقلال الكامل.
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.
تعليقات
0