هيمنة الانتماء الحزبي على مناصب المسؤولية... حين تتراجع الكفاءة أمام الولاء السياسي

هيمنة الانتماء الحزبي على مناصب المسؤولية... حين تتراجع الكفاءة أمام الولاء السياسي
14:26 الاثنين 27 أكتوبر 2025

 

بقلم: ليلى جاسم

في مشهد سياسي وإداري بات يثير الكثير من علامات الاستفهام، تبرز في عهد الحكومة الحالية ظاهرة لافتة تتمثل في تزايد التعيينات في المناصب العليا والمسؤوليات الكبرى لفائدة أشخاص محسوبين على الأحزاب المكونة للتحالف الحكومي الثلاثي. وهي ظاهرة، وإن كانت غير جديدة في المشهد السياسي المغربي، إلا أنها اتخذت في السنوات الأخيرة أبعاداً أكثر وضوحاً وجرأة، إلى درجة جعلت من الانتماء الحزبي شرطاً شبه معلن لتولي المناصب القيادية في مؤسسات الدولة.

تؤكد مؤشرات عديدة أن عدداً من التعيينات الأخيرة لم تستند بالضرورة إلى معايير الكفاءة والتجربة، بقدر ما تم تحديدها في ضوء الانتماء السياسي أو الولاء الحزبي. هذا التحول يثير القلق، ليس فقط لأنه يفرغ مبدأ تكافؤ الفرص من محتواه الدستوري، بل لأنه يهدد جودة التدبير العمومي، ويكرّس صورة نمطية مفادها أن الطريق نحو المناصب العليا تمر عبر البوابة الحزبية لا عبر التميز والكفاءة.

فمن الطبيعي أن تسعى الحكومات المنتخبة إلى العمل مع شخصيات تشترك معها في الرؤية السياسية، لكن المقلق هو أن تتحول هذه الرغبة إلى قاعدة عامة، يتم من خلالها إقصاء الكفاءات المستقلة وغير المنتمية، مهما بلغت خبرتها أو مؤهلاتها.

نتيجة هذا التوجه، برزت في أكثر من قطاع مظاهر ضعف في الأداء الإداري والتنفيذي، بسبب تعيين مسؤولين لا يمتلكون التجربة الكافية أو التكوين المتخصص اللازم. وفي المقابل، ظلّت كفاءات وطنية مشهود لها بالمهنية والنزاهة خارج دوائر القرار، لأنها ببساطة لا تنتمي إلى أي لون سياسي أو لم تُظهر ولاءً حزبياً واضحاً.

هذه الوضعية لا تضر فقط بمبدأ الاستحقاق، بل تمس أيضاً بمصداقية المؤسسات العمومية وثقة المواطن في الدولة، حين يرى أن الكفاءة لم تعد وحدها معيار التقدير والتمكين، وأن الولاءات الحزبية باتت تسبق الكفاءات العلمية والمهنية.

يُجمع المراقبون على أن المغرب، في سياق التحولات الكبرى التي يعيشها، يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى كفاءات ذات تكوين رفيع، قادرة على تدبير الملفات الاستراتيجية بكفاءة واستقلالية. فالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الراهنة تتطلب قيادات مهنية ذات خبرة وتجربة، لا مجرد أسماء يتم اختيارها تلبية لتوازنات سياسية أو مكافأة لولاءات حزبية.

يبقى السؤال المطروح بإلحاح: من يتحمل مسؤولية تكريس هذا النهج الذي يُقصي الكفاءات الحقيقية ويمنح الأفضلية للانتماء الحزبي؟
هل تتحملها الأحزاب التي تبحث عن توسيع نفوذها داخل مؤسسات الدولة؟ أم أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة التي يُفترض أن تضمن مبدأ تكافؤ الفرص وتضع الكفاءة فوق كل اعتبار؟

الأكيد أن استمرار هذا الوضع لن يخدم لا صورة الدولة ولا مردودية مؤسساتها. فالإدارة الحديثة تقوم على مبادئ الحكامة الجيدة، والشفافية، والاستحقاق، وهي قيم لا يمكن أن تتحقق إلا حين يتم تحييد الانتماءات السياسية من منطق التعيين، والاعتماد على الكفاءة المهنية والمعايير الموضوعية في تولي المسؤولية.

في نهاية المطاف، يبقى رهان الإصلاح الحقيقي رهيناً بقدرة الدولة على إعادة الاعتبار للكفاءات الوطنية، بعيداً عن منطق المحسوبية والانتماءات الضيقة. فالمغرب يزخر بكفاءات في مختلف المجالات، أثبتت جدارتها وطنياً ودولياً، وهي تنتظر فقط أن تجد الفرصة الحقيقية لخدمة الوطن من مواقع المسؤولية، لا عبر الولاء، بل عبر العمل الجاد والقدرة على الإنجاز.

أضف تعليقك

‫‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.

‫تعليقات

0
صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 15:31

صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 15:28

صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 13:15

صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 13:14

صوت وصورة
الخميس 12 شتنبر 2024 - 12:37

صوت وصورة
الخميس 12 شتنبر 2024 - 12:35